كوكبة أفضل 2% من العلماء حول العالم والتبعية المعرفية فى مؤشرات الانتاج المعرفى من مجلة نقطة العلمية بقلم أ. د. نصرالله محمد دراز - أستاذ كيمياء المواد المتقدمة والنانوتكنولوجى - المركز القومى للبحوث فى الخامس من يوليو 2019م، بدأ مولود الابداع والابتكار يتلمس خطواته على أرض جامعة بحثية خاصة تقع في ستانفورد، كاليفورنيا، والتى اشتهرت بجامعة ستانفورد الأمريكية. كانت طموحات المولود كبيرة وآماله تفوق سماء وحدود هذه الجامعة العريقة التى تأسست في عام 1885م، على يد السيد ليلند ستانفورد، الحاكم الثامن لولاية كاليفورنيا ومن ثم عضو مجلس الشيوخ عن هذه الولاية، وزوجته جين، تكريمًا لذكرى طفلهما الوحيد، ليلاند الابن. هذه الجامعة التى اعتمدت سياسة فريدة من نوعها مقارنة بكل المؤسسات الجامعية والبحثية وذلك من خلال ثقافة ريادية أدت الى بناء صناعة محلية قائمة على اقتصاد المعرفة لتحقيق الاكتفاء الذاتى والاستغناء عن الاستيراد. هذه السياسة التى اعتمدها ودعمها ، بعد الحرب العالمية الثانية، عميد الجامعة البروفسيور ” فريدريك تيرمان ” والتى أدت الى كيان أسطورى عظيم أطلق عليه “وادي السيليكون“. ومع خصوبة أرض أفكار وابداعات وابتكارات هذه الجامعة وصفاء سمائها، أصبحت جامعة ستانفورد واحدة من أنجح الجامعات الأكاديمية والبحثية في العالم في جذب التمويل للشركات الناشئة، علاوة على ترخيص اختراعاتها للشركات القائمة. ونظرا لصلابة البناء الفكرى لهذه الجامعة ووضوح أهدافها، قد قام أبنائها من الخريجين بتأسيس العديد من الشركات، التي إذا جمعت معا سوف تساوي عاشر أكبر اقتصاد في العالم. وفي عام 1951م، أنشئ منتزه ستانفورد للأبحاث في بالو ألتو، وهو أول منتزه بحثي جامعي في العالم. ترعرع مولود الابداع والابتكار على ماض عريق وعلى حاضر تبوء الصدارة واعتلى القمة بل وعلى مستقبل طموح ممتلئ بأنهار الابداع وبحار الابتكار ومحيطات الاقتصاد المعرفى، ومن ثم بزعت الفكرة الطموحة القائمة على ثقافة ريادية بهدف تحفيز وجمع شمل العلماء من خلال قائمة ضمت بين طياتها أفضل 2% من العلماء حول العالم الذين كان لانتاجهم العلمى والمعرفى تأثيرا ملموسا فى بناء اقتصاد المعرفة. ولأن هذه القائمة قد صدرت عن جامعة عريقة ومميزة، فقد لاقت قبولا عالميا تم تأكيده والاعتراف به من كافة المؤسسات العلمية الجامعية والبحثية خصوصا أن هذه القائمة قد تم تشييدها وهيكلتها بناءا على أسس ومعايير التصنيفات الدولية المتعارف عليها. بدأت الفكرة الممنهجة والمعتمدة على أسس وقواعد التصنيف العالمى على يد البروفسيور جون يوانيديس بجامعة ستانفورد الأمريكية، لتصبح حدث وتصنيف هام ينتظره كل العلماء حول العالم نظرا لأنه أصبح يلمس أوتار القلوب قبل العقول، كما أنه أصبح حافزا لاجتهاد المجتهدين وخطوة على الطريق، وورقة عمل يجتمع حولها العلماء فى بناء استراتيجياتهم المستقبلية. ويعتمد هذا التصنيف على مجموعة من العوامل التي تتعلق بمعامل هيرش ( h-index ) وعدد الاستشهادات طبقا لعدد المخطوطات العلمية الدولية المنشورة من العام الأول للنشر العلمى للباحث حتى عام اعلان نتيجة التقييم، و أيضا على المشاركة في مراجعة وتحرير الأبحاث العلمية في المجلات العالمية، وذلك بحسب المعلومات المنشورة على موقع سكوبس ( Scopus ) للباحثين والتي يشرف عليها دار النشر العالمية السفير (Elsevier ). حيث يكون التصنيف على مستويين: الأول قد جاء بناءًا على مسيرة الباحثين طوال فترة العمل (career-long data)، والثاني اعتمد على مستوى السنة الميلادية لعام التقييم ( single year )، ولا ينال من هذا وجود بعض العلماء فى مستوى دون الأخر. ومع ثبوت هلال تصنيف أفضل 2% من العلماء حول العالم طبقا لقائمة جامعة ستانفورد الأمريكية فى النصف الثانى من كل عام، بدأ من 2019 م وحتى 2024م، بدأت كل المؤسسات العلمية المحلية والاقليمية والعالمية على المستويين الجامعى والبحثى تحتفل بمنسوبيها الموجودين بهذه القائمة التى احتلت مكانا مرموقا فى كل المؤسسات العلمية وتناولتها المؤسسات الاعلامية المختلفة بالاشادة والاشارة الى المجهود المبذول داخل هذه المؤسسات. وبما أن الحدث جلَّلَ، فقد التقط خيوطه الكثير من القادة والمسؤولين لتعزيز الانتاج المعرفى فى بلادهم، فى محاولة لاستثمار الفرصة وتعظيم قيمتها المضافة كما حدث على أرض الكنانة ” مصر” فى شهر أغسطس 2023م فى مؤتمر التميز فى البحث العلمى: “مستقبل الانتاج المعرفى فى مصر” ، تحت رعاية وزارة التعليم العالى والبحث العلمى المصرية. ومع تأكيد قادة التعليم العالى والبحث العلمى على أهمية استمرار النجاح فى هذا الدرب والمحافظة عليه وحسن استثماره بما يعمل على تثبيت قواعد الانتاج المعرفى، كانت الزيادة الكبيرة فى أعداد المدرجين فى هذا التصنيف كل عام. وعلى الرغم من وجود الكثير من المؤسسات الجامعية والبحثية فوق أرض الكنانة ” مصر ” الا أن المركز القومى للبحوث وكعادته قد احتل المركز الأول على مستوى القطر المصرى فى هذا التصنيف لعام 2024م حيث تم إدراج 100 عالم من منسوبيه في قائمة ستانفورد، ولما لا؟ وهذا المركز البحثى الذى يضم نخبة من العلماء المتخصصين فى كافة المجالات، دائما ما يحتل المركز الأول فى النشر العلمى طبقا لتصنيف ” سيماجو” علاوة على تقدمه المستمر على الصعيد المصرى واختلاله للمركز الأول أيضا فيما يحصل عليه من براءات اختراع محلية. ولكى تكتمل الصورة المشرفة والمشرقة لوجود هذه الأعداد الكبيرة فى قائمة أفضل 2% من العلماء حول العالم الصادرة عن جامعة عريقة اعتمدت منذ نشأتها على ثقافة ريادية تهدف الى بناء صناعة محلية مكتفية ذاتيا، لابد من تضافر جهود هؤلاء العلماء المتميزين فى بوتقة واحدة ينصهر فيها حب الذات مع تشكيل هيكل قومى للتصنيع المحلى المؤدى الى الاكتفاء الذاتى. ولا ينال من هذا اندماج أو انصهار أو دمج تخصصات أو علوم مختلفة مع بعضها البعض، فالعقول المستنيرة موجودة، والمثابرة والصمود والعزيمة لا تنضب، وارادة الدول ودعمها المستمر لهذه الطاقات العلمية يزداد كل يوم مع التأكيد والمطالبة بتوحيد الجهود لتوفير وتصنيع المنتج المحلى والاستغناء عن المنتج المستورد. فمع كوكبة افضل 2% من العلماء حول العالم، يستطيع أى مجتمع أن يلتقط ثمار الانتاج المعرفى، وذلك لن يكون الا من خلال ادارات تنسيقية تنتقى بعد الفحص والتمحيص أفضل ما توصل اليه هؤلاء العلماء وتعمل وبجد على تحويله الى منتجات يتم تسويقها بحرفية قائمة على تقنيات التسويق الحديثة ومتطلبات السوق. فالاستثمار فى هؤلاء العلماء هو مشروع الحاضر والمستقبل بل ويكاد يكون هو الطريق الوحيد لاستنساخ الفكرة الرائدة التى قامت بها جامعة ستانفورد والتى أدت الى استحداث الكثير من الشركات الاقتصادية العملاقة. وبناء على كل ما تقدم نستطيع أن نستخلص المغزى الحقيقى والهدف الرئيسى من استمرار اطلاق جامعة ستانفورد لقائمة افضل 2% من العلماء حول العالم، والذى نرى أنه يكمن فى تحفيز ودفع هؤلاء العلماء ومؤسساتهم على تأسيس حاضنات وشركات للانتاج المعرفى.
All Rights Reserved @NRC Created by Twasol Solutions